الثلاثاء، 18 يناير 2011

تونس.. الجزائر.. من التالي؟

بقلم : عصام بدران

اجتاح طوفان من الغضب الشعبي تونس والجزائر، فهل يتوقف هناك؟.. وما هي المحطة القادمة؟ يرصد هذا التقرير أبعاد الأزمة والدول المرشحة لتكرار نفس السيناريو.. هناك عدة مؤشرات تجعل كل من: الأردن ومصر واليمن على قائمة الدول المعرضة لخطر تصاعد الاحتجاجات الشعبية في المستقبل القريب مثلما حدث في تونس والجزائر.
فالمنطقة العربية مهددة بثورة جياع حقيقية بدأت بوادرها تتجلى فى عدة بلدان عربية، مما قد يطيح باستقرار المنطقة ليدخلها فى براثن المجهول. ما يجعلنا نتوقع اتساع دائرة الاحتجاجات الشعبية لتشمل بلدان أخرى، هو تشابه العوامل التى فجرت الأزمة فى تونس والجزائر مع بلدان أخرى تمر بنفس الظروف الاقتصادية والاجتماعية. أسباب الأزمة فى كل من البلدين تونس والجزائر تبدو متطابقة إلى حد بعيد. فكلها عوامل اقتصادية بحته ولعل أبرزها: البطالة وارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود، مما يجعل الظروف المعيشية غير قابلة للاحتمال ومن ثم يحدث الانفجار ..
كان اندلاع الأزمة فى تونس بالذات مفاجأة لكل الباحثين المعنيين بالمنطقة نظراً لاستقرارها النسبى مقارنة بالبلدان الأخرى من الناحية الاقتصادية وتوافر الاستقرار الأمنى بفعل القبضة الحديدية للنظام. فالأوضاع المعيشية بمصر أقل بكثير مقارنتا بتونس مما يجعلها أكثر عرضة لخطر فوران شعبى مماثل.
ما يجعل خطر انتشار موجات الغضب الشعبى بالمنطقة أكثر حتمية من ذي قبل، هو اقتراب حلول أزمة غذاء عالمية جديدة خلال هذا العام 2011 والتى حذر منها الباحث لاستر براون ووصفها بالأزمة المزدوجة التى ستؤدى لنقص الغذاء وارتفاع متصاعد لأسعار المواد الغذائية مما سيولد اضطرابات سياسية خطيرة تهدد المستقبل.
ووصف براون ما يحدث في الجزائر على وجه التحديد من اندلاع أعمال شغب واحتجاجات بالمؤشر الخطير للأزمة، والذي يصعب تجاهله.
ففي السابق كان علماء البيئة يحذرون من أخطار تهدد كوكبنا على المدى البعيد 2020 أو 2050، أما الآن أصبح علماء البيئة أكثر جراءة ليصدروا تصريحات خطيرة بقرب أزمة غذاء وتحديداً في 2011م مما يدل على تزايد المؤشرات بصورة خطيرة مما لا يدع مجالا للشك.
الأمر يصبح أكثر خطورة مع تزامن أزمة الغذاء مع أزمة جديدة في الوقود. فقد بدأت القدرة الإنتاجية لدول الأوبك في التراجع منذ 2003، ومن المرجح أن تتقلص القدرة الإنتاجية اليومية خلال 2011م بمعدل مليون برميل لتصل كمية النفط المنتج إلى 4.7 مليون برميل يومياً. لذا يتوقع الخبراء أن يزداد الطلب على النفط بشكل مضاعف حيث إن من المتوقع أن يرتفع سعر برميل النفط خلال عام 2011م مسجلاً ثاني أعلى سعر له بعدما سجل 99.75 دولار خلال 2008م.
إذن فنحن أمام أزمتين وليست أزمة واحدة فحسب.. والأكثر خطورة كونهما متزامنتين.. فكلاهما متوقع حدوثهما في عام 2011.. يبدو أن العام الجديد يحمل إلينا الكثير من المفاجآت. ولم يمر بهدوء مثل الأعوام السابقة. المشكلة تكمن في صعوبة التكهن بتداعيات بركان الغضب المزمع انفجاره في المنطقة ومدى اتساع دائرة موجة الغضب الشعبي وإلى أي اتجاه ستجر إليه منطقتنا. الأمر المسلم به أن شكل منطقتنا ربما يتغير بشكل جذري مهدداً بقاء العديد من الأنظمة العربية.
هناك بلدان عربية تبدو أكثر عرضة للاحتجاجات الشعبية مقارنة بغيرها. فالدول الفقيرة منه بالذات مؤهلة بجدارة لانتفاضات شعبية محتملة كذلك التي تشهدها تونس والجزائر. فالدول النفطية تبدو في مأمن لحد كبير على الأقل على المدى القريب.
وانطلاقاً من هنا يمكن أن نستثنى كل من دول الخليج الغنية بالنفط وربما نضيف عليها ليبيا من خطر موجات الغضب الشعبي. وبهذا تصبح بلدان شمال أفريقيا وبلدان الخليج غير المنتجة للنفط هي الأكثر عرضة من غيرها لتصاعد التيارات الاحتجاجية. ومن هذه الشريحة تبرز ثلاث دول وهي الأردن ومصر واليمن، على صدارة الدول المرشحة لتفجر الأوضاع بها في المستقبل القريب.
على وجه الخصوص تلك الدول الثلاث السالف ذكرها تعانى من جو عام من الاحتقان العام المتوالد من صعوبة الأحوال المعيشية وازدياد معدلات الفقر والبطالة وسط موجات متتالية من الغلاء المتزايد. أضف إلى ذلك، تزامن كل هذا مع احتقان سياسي مماثل من انتشار الفساد وغياب الديمقراطية. وما زاد الطين بله هو تواكب ذلك مع أوضاع اجتماعية هشة من شبه فتنة طائفية بمصر وإن كان الجميع ينكر ذلك، ونزعات انفصالية بجنوب اليمن، وتوترات شبه دائمة بالأردن نظراً للتركيبة الحساسة للغاية للمجتمع الأردني.
المتابع للشأن العربي يلاحظ أن العوامل الاقتصادية هي العامل الأول في تحريك الشعوب العربية. فلم يتصور السادات أن مجرد تصريحات بإلغاء الدعم عن بعض السلع ستفجر أخطر حراك شعبي شهدته مصر والذي أطلق عليه ثورة الجياع 1977م، وفشلت كل من الشرطة وقوات الأمن المركزي في التصدي لها، وليتدخل الجيش بقوة موقعاً 63 قتيلاً والقبض على 3 آلاف مواطن.
نفس الخطأ كرره الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، حينما ظنت حكومة الجزائر أن بعض التصريحات بإلغاء الدعم من بعض السلع الاستهلاكية والسكر ستمر مرور الكرام، ليفجر انتفاضة شعبية لا يدرك أحد مداها حتى الآن.
الوضع في مصر متشابه مع تونس، فعلى الرغم من تنفس البلدين الصعداء مع تجاوز من تداعيات الأزمة المالية العالمية السابقة، وتصريحاتهم المبشرة بالنمو التعافي الاقتصادي، إلا أنه سلط الضوء إلى تباين واضح في توزيع ناتج النمو على كافة طبقات المجتمع المصري والتونسي، كاشفاً عن ازدياد الهوة بين الفقراء والأغنياء فالفقراء يزدادون فقراً، والأغنياء يزدادون ثروة. لذلك فمكاسب النمو ينتهي بها المطاف في جيوب فئة قليلة من رجال الأعمال تسيطر على مقاليد الاقتصاد الوطني.
فبسبب عدم عدالة التوزيع، لا يتم ترجمة ازدياد معدلات النمو الاقتصادية إلى رفاهية للشعوب. بل على العكس يؤجج احتقانا شعبيا، فبينما يعيش الأغنياء في مجتمعات مغلقة محاطة بسياج أمني بعيداً عن آلام ومعاناة الشريحة الأكبر التي تسقط في دائرة مفرغة من البطالة والفقر والعنف.
ومن ناحية أخرى، ترفض وتماطل معظم الحكومات العربية من تحديد حد أدنى للمرتبات ليواكب موجات الغلاء والتضخم في الأسعار. ففي مصر، فعلى الرغم من المطالبات الشعبية برفع الحد الأدنى من الأجور إلى 1200 جنيه، كما أقره القضاء الإداري، إلا أن الحكومة لم تزيد الحد الأدنى للأجور سوى إلى 400 جنيه فقط، مما يهدد بثورة جياع وشيكة بمصر.
أما الأردن، فهي تستعد إلى يوم الغضب الشعبي الذي دعت له العديد من القوى يوم الجمعة (14 يناير 2011م) وتنظيم المسيرات الاحتجاجية لتعم جميع أرجاء المملكة. بعد رفع أسعار المشتقات النفطية 9% وإلغاء الإعفاءات على بعض المواد وفرضت على أخرى ضريبة 16% وتدعو القوى الشعبية إلى إقالة الحكومة بالكامل وتشكيل حكومة إنقاذ وطني لتدارك الكارثة..
فليس من المتصور أن يتعامل المواطن العربي بمرونة مع الإجراءات التقشفية التي تستعد معظم الحكومات لاتخاذها والتي لا تجد مفر منها خاصة مع ازدياد أسعار المواد الغذائية والوقود عالمياً. فمهما حاولت الحكومات العربية من تخفيف حجم الأزمة وامتصاص غضب الجماهير فلن تفلح في ذلك.
فعلى عكس الصعيد السياسي حيث لا تجد الحكومات العربية صعوبة تذكر في تمرر قوانينها الخاصة بتمديد فترات الحكم وتقليل مساحة الحريات، حيث تواجه ببعض قوى المعارضة المحدودة التي يمكن معها عبر بعض المساومات السياسية أو الاعتقالات والقمع. أما التحديدات الاقتصادية، فلم يجدِ معها أي إجراء أمني يُتبع ويصعب السيطرة عليها، لأنها تصدر من الشريحة الأكبر والأخطر من المجتمع.. وهم الشباب.
فلقد أشارت صحيفة الجاردين البريطانية إلى أن 60% من سكان مصر، التي تعتبر أكبر الدول العربية، تحت سن 30 عاماً وأن بطالة الشباب في ارتفاع مستمر في حين يعيش أكثر من 40% من المواطنين بأقل من 2 دولار في اليوم.
اتجاه موجات الغضب الشعبي صوب الحكومات العربية بدلاً من تفاهم أسباب الأزمة ووضعها في سياقها كجزء من أزمة عالمية، هو الغضب الشعبي المتوالد من السياسات الحكومية الازدواجية التي تقدم إعفاءات ضريبة للبنوك ورجال الأعمال، وتطرح أراضي الدولة بأسعار رمزية لجذب استثمارات أجنبية من جهة ومن جهة أخرى تفرض الضرائب على الطبقة الوسطى والفقيرة وتلغى الدعم من السلع الاستهلاكية. ويبقى التفاوت الطبقي، وانتشار الفساد هو العامل الأكبر في تراكم السخط العام.
فلكي يتقبل المواطن العربي الإجراءات التقشفية القادمة، لابد من مناخ من الثقة والشفافية وتوافر القيادات المنتخبة التي تمثل نبض المواطنين، وللأسف تلك العوامل قلما تتوافر في عالمنا العربي اليوم، وبهذا يصبح مسرحاً مهيئا بامتياز لبركان غضب شعبي يصعب احتوائه أو التكهن بتداعياته.
عصام بدران باحث متخصص في شئون الشرق الأوسط، حاصل على ماجستير القانون الدولي والمقارن 2010م من كلية الدبلوماسية والشئون الدولية بالجامعة الأمريكية، وحاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية في العلاقات الدولية والقانون الدولي 2008م وليسانس حقوق من جامعة عين شمس 2007م وهو عضو في جمعية المراسلين الأجانب القاهرة ونقابة المحامين بمصر.



البوابة الاليكترونية للمحامين www.baegypt.org
الايميل الاليكتروني baegypt@yahoo.com
المدونة الخاصة بالموقع http://baegypt2011.blogspot.com

"  لكل محام - مقالات المحامين - اخبار النقابة العامة - اخيار النقابة الفرعية - خدمات المحامين العامة - استشارات - قضاية واحكام"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق